د. الكنتي يصف "الكنتي الكبير" بالحاضر/ الماضي.. ويحذر من منافسة التطرف وتناسل خلاياه
- التفاصيل
- المجموعة: مرآة النيملان
-
24 أيلول 2020
- نشر بتاريخ الخميس, 24 أيلول/سبتمبر 2020 13:56
- كتب بواسطة: Super User
- الزيارات: 12293
في كلمة ألقاها هذا المساء أمام جمع مميز يتألف من أكثر من 200 من الأطر الموريتانيين، قال الدكتور محمد اسحاق الكنتي:
" وقد ورد لفظ "الكنتي" عنوانا لمجموعة قصصية للدكتور عبد الرزاق حسين من الأردن، صادرة عن مكتبة لعبيكان، ورابطة العالم الإسلامي، الرياض 2011، وفيها "يحاول الكاتب أن يجعل ذلك الماضي حاضرا ليعيد رسمه وصياغته". وفي ذلك يتقاطع مع هيئة الشيخ سيد امحمد الكنتي الكبير التي حملت على عاتقها إحياء تراث مؤسس المجتمع الموريتاني كما نعرفه اليوم"
ثم أضاف:
" لقد آن لنا أن نعيد لتراثنا المجيد اعتباره بنشر "مواهب ومناقب" كل مشايخنا العظام الذين وهبوا أعمارهم للعلم ونشره... "
ورد هذا الكلام ضمن خطاب ألقاه صاحبه بوصفه رئيسا لهيئة الشيخ سيد امحمد الكنتي الكبير وذلك بمناسبة حفل افتتاح مقر الهيئة. وكما هو معروف به، لم يشذ الدكتور عن عادته المتمثلة في حمل قبعة الباحث الأكاديمي المتمكن الذي يقف بدقة عند المفاهيم والغوص في تدقيقها وتعميقها مؤصلا لما يكتبه.. وبحمل قبعة الرجل السياسي الملتزم بخط لا يشوبه أي غموض، خط افصح عنه بقوله:
" إننا، ونحن نعيد تأسيس جمهوريتنا الإسلامية على قواعد العدل والإخاء، لنعتز بالإرادة السياسية التي أعادت اكتشاف ماضينا المجيد، فنفضت الغبار عن بطولات مقاومتنا الوطنية، وأعادت الاعتبار إلى مدننا التاريخية عنوان إشعاعنا الفكري واللغوي..."
ودعما منه لهذا التوجه دعا إلى العناية بالتراث.. وحذرمن خطر التطرف عليه، قائلا:
" لقد آن لنا أن نعيد لتراثنا المجيد اعتباره بنشر "مواهب ومناقب" كل مشايخنا العظام الذين وهبوا أعمارهم للعلم ونشره... "
لقد آن لنا أن نحقق اكتفاءنا من غذائنا الروحي الذي لا يخاف مخزونه تلفا ولا نفادا، ولكنه يعاني الإهمال والتجاهل لصالح منافس يتدفق علينا عبر الأثير فنحسب الشحم في من شحمه ورم، وقد يكون خبيثا تتناسل منه خلايا التطرف والتنطع، تُشَادُّ الدين فتمرق منه..."
النص الكامل لكلمة الدكتور محمد اسحاق الكنتي
"بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين
أيها الحضور الكريم...
إنه لشرف عظيم لنا في هيئة الشيخ سيد امحمد الكنتي الكبير أن نستضيف هذا الجمع الكبير من العلماء والمثقفين ورجال الدولة لنحتفي بهم ومعهم بافتتاح المقر الرئيس لهيئة الشيخ سيد امحمد الكنتي الكبير. فمرحبا بكم قدر ما يعبر الترحاب عن امتنان من شرفتموهم بتلبية دعوتهم. إنها فرصة نغتنمها للتعريف بما هو إشكالي في طبعه. يبدأ الإشكال بهيئة الهمزة، وإشكالنا معها تاريخي، هل تكتب على الألف، أم على النبرة؟ لقد اخترنا الإملاء الأخير لاحتضانه الهمزة ضمن كل متجانس، ونحن الذين عانينا وصلها وقطعها معاناة المتنبي مع وقع السهام ونزعهن... وانحيازا إلى رسم القرآن في قوله تعالى..(وأخلق لكم من الطين كهيئة الطير)، وعملا بما ذهب إليه علماء اللغة.." فالمشهور عند القدماء أن الياء هنا لها قوة حركة الكسر، وبناء عليه ينبغي أن تكتب هكذا (هيئة)... وهذا الرأي هو الراجح لأنه هو المشهور عند أهل العلم من قديم، ولأنه هو المعروف في الكلمات المشابهة مثل (الحطيئة) فلم أقف على أحد كتبها (الحطيأة)".
وإذ حللنا إشكال الرسم، بقي لنا أن نقرب المعنى على هيئة يستقيم معها الفهم لتتضح الرؤية. قال في المعجم.."الهيئة الحال التي يكون عليها الشيء محسوسة كانت أو معقولة. الهيئة: الشارة. وفي علم الفلك: علم يبحث في أحوال الأجرام السماوية وعلاقتها ببعض، وما لها من تأثير في الأرض. ورجل ذو هيئة: مهيب الطلعة، وقور، ضخم"، كالشيخ سيد امحمد الكنتي الكبير.. و"الهيئة: منظمة أو جماعة من الناس تقوم بعمل خاص." محل الشاهد.وردت كلمة هيئة في الحديث الشريف، في قوله صلى الله عليه وسلم، في حجة الوداع.."إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض..." (الحديث).
لكن هيئتنا خصصت بانتسابها إلى شيخ، وهو لفظ شائع مما أعطاه "معاني" شطحت به عن المقصود منه أصلا في الإصطلاح. ففي اللغة يطلق على مرحلة من عمر الإنسان، قال في لسان العرب..( إذا ظهر به الشيب واستبانت فيه السن فهو شيخ)، وبهذا المعنى ورد في القرآن.." هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا"(غافر/67). وقوله تعالى: "... إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا..."(يوسف 78)، وقوله تعالى.." ...وهذا بعلي شيخا..."(هود 72)... وقوله.. "قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير..."(القصص 23). أما في الإصطلاح، " فيجوز إطلاق كلمة (شيخ) لغةً وعُرفا على مَن يكثر علمه، ويشتهر بالمعرفة بين الناس". فقد ورد أن اللفظ أطلق في صيغة التثنية، على أبي بكر وعمر بلفظ "شيخي الإسلام"، " فقد ذكر السيوطي رحمه الله في كتابه “تاريخ الخلفاء” أثرا عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه ذكر أبا بكر وعمر رضي الله عنهما فقال: هما شيخا الإسلام."
كما ورد في تهذيب التهذيب أن أحمد بن حنبل كان من أوائل من أطلق لفظ "شيخ الإسلام"، حين " قال لرجل: أخرج إلى أحمد بن يونس؛ فإنه شيخ الإسلام."
وقد شاع لفظ الشيخ ابتداء عند المحدثين، يطلقونه " على من يؤخذ عنه الحديث، في مقابل التلميذ الذي يتلقى الحديث ".
" وهكذا تشكلت أعراف خاصة لكلمة شيخ لدى قطاعات علمية متنوعة ، فالمحدثون إذا قالوا ( رواه الشيخان ) أرادوا بهما البخاري ومسلما ، وفقهاء الشافعية إذا قالوا :(الشيخان) أرادوا بهما الإمامين الرافعي والنووي ، والحنفية يطلقون ( الشيخين ) على أبي حنيفة وأبي يوسف ، وعند الحنابلة هما الموفق ابن قدامة والمجد بن تيمية." ويأتي التصوف في القرن الثاني الهجري ليتشح مقدموه بصفة "الشيخ" حتى كادت تكون علما عليهم...
أما السيد فهو العظيم الشريف، قال في المعجم.."ساد الرجل عظم وشرف، وساد قومه حكمهم، سيطر وهيمن عليهم."، وتلكم هي حال الشيخ سيد امحمد الكنتي الكبير. ومحمد حمدت شمائله فاستغنى حقا عن التعريف. والكنتي، في اللغة القوي الشديد. وهي علم اليوم على أبناء وأحفاد الشيخ سيد امحمد الكنتي، المنحدرين من توات في الجزائر، والمنتشرين في موريتانيا، والمغرب، وليبيا، ومالي، والنيجر، والسنغال، وبوركينافاسو... و "الكبير"، تمييز له من حفيده الشيخ سيد امحمد الكنتي بن الشيخ سيد أحمد البكاي، بودمعه.
وقد ورد لفظ "الكنتي" عنوانا لمجموعة قصصية للدكتور عبد الرزاق حسين من الأردن، صادرة عن مكتبة لعبيكان، ورابطة العالم الإسلامي، الرياض 2011، وفيها "يحاول الكاتب أن يجعل ذلك الماضي حاضرا ليعيد رسمه وصياغته". وفي ذلك يتقاطع مع هيئة الشيخ سيد امحمد الكنتي الكبير التي حملت على عاتقها إحياء تراث مؤسس المجتمع الموريتاني كما نعرفه اليوم؛ فقد التقت في شخصه مكونات مجتمع البيظان، وكان موطّد سلطة العرب في هذه البلاد وشيخَهم الذي يصدرون عنه ويرجعون إليه...
إننا، ونحن نعيد تأسيس جمهوريتنا الإسلامية على قواعد العدل والإخاء، لنعتز بالإرادة السياسية التي أعادت اكتشاف ماضينا المجيد، فنفضت الغبار عن بطولات مقاومتنا الوطنية، وأعادت الاعتبار إلى مدننا التاريخية عنوان إشعاعنا الفكري واللغوي... في هذا السياق يتنزل افتتاح المقر الرئيس لهيئة الشيخ سيد امحمد الكنتي الكبير التي عملت منذ الترخيص لها سنة 2011، على ربطنا بتراثنا المجيد من خلال النسخة الأولى من مهرجان فصك، الذي سننظم، إن شاء الله، نسخته الثانية خلال سنة 2018، وملتقى القادرية البكائية في شمال وغرب إفريقيا، الذي نظمته الهيئة بالتعاون مع منظمتين أخريين...
لقد آن لنا أن نعيد لتراثنا المجيد اعتباره بنشر "مواهب ومناقب" كل مشايخنا العظام الذين وهبوا أعمارهم للعلم ونشره... لقد آن لنا أن نحقق اكتفاءنا من غذائنا الروحي الذي لا يخاف مخزونه تلفا ولا نفادا، ولكنه يعاني الإهمال والتجاهل لصالح منافس يتدفق علينا عبر الأثير فنحسب الشحم في من شحمه ورم، وقد يكون خبيثا تتناسل منه خلايا التطرف والتنطع، تُشَادُّ الدين فتمرق منه...
إن لنا في تراث الشيخ سيد امحمد الكنتي الكبير، والشيخ سيد احمد البكاي بودمعة، والشيخ سيد المختار الكنتي، والشيخ سيدي محمد بن الشيخ سيد المختار الكنتي ومدرستهما العلمية والصوفية التي صدرت مشايخ طبقت شهرتهم الآفاق، مندوحة عن مدارس الغلو والتفريط، والدعاوى العريضة... ففي غرة بدر مشايخنا ما يغنينا عن زحل الفضائيات، ومشايخ التيارات، يميلون معها من جنوب وشمأل.. وقد صدق فيهم حديث ابن مسعود رضي الله عنه.." كيف بكم إذا لبستكم فتنة يربو فيها الصغير ويهرم فيها الكبير وتتخذ سنة فإن غيرت يوما قيل هذا منكر. قال (السائل) ومتى ذلك؟ قال ابن مسعود: إذا قلت أمناؤكم وكثرت أمراؤكم وقلت فقهاؤكم وكثرت قراؤكم وتفقه لغير الدين والتمست الدنيا بعمل الآخرة". فما أشبه حالنا اليوم بهذا..( فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا ۖ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ)(يوسف 64).
أجدد الشكر لكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته."
تصنيف: