انقلاب 6 غشت 2008 في موريتانيا... أزمة الانقلاب و الانتخاب هل فشل التأسيس لعهد جديد؟

 

د. بتار ولد إسلك
باحث في العلاقات الدولية

لقد دخلت موريتانيا عملية التحول الديمقراطي، و هي مثقلة بأزمتين كبيرتين، الأزمة الأولى هي أزمة نظام استبدادي دام 21 سنة من حكم معاوية ولد سيد حمد ولد الطايع، و لم تكن عملية التحول الديمقراطي التي شهدتها البلاد في تلك الفترة تزيد عن كونها طابع احتقاني أراد من خلاله ولد الطايع أن تكون أداة امتصاص للضغوطات الداخلية و الخارجية، و قاد هذا الاحتقان إلى مجموعة من الانقلابات. والأزمة الثانية هي انقلاب 2005 و قد تم من خلالها الإطاحة بنظام معاوية ولد الطايع الذي قام به مجموعة من القادة العسكريين، أطلقوا على أنفسهم "المجلس العسكري للعدالة و الديمقراطية" و يعد هذا الطور من أهم مراحل التحول التوافقي التي شهدته البلاد، عبر مراجعة الدستور و انتخابات ديمقراطية مشهود لها بالنـزاهة إلا أن تلك المرحلة لم تدم طويلا فبعد سنة من نظام الرئيس الموريتاني السابق سيد محمد ولد الشيخ عبد الله تم الانقلاب عليه يوم 6 غشت 2009، مما يعكس الصعود و الهبوط في مسار العملية السياسية في موريتانيا.
ويثير المقال الإشكالات التالية: كيف كان انعكاس الانقلاب الأخير على الساحة الداخلية و الخارجية في موريتانيا؟ هل نجح الانقلاب الأخير بالخروج بالبلاد من ظاهرة الاحتقان السياسي، أم أن الأزمة مازالت تراوح مكانها؟

 
 
 
 
أسباب أزمة انقلاب 6 من غشت 2008:

من الأسباب المعلنة أنه بعد سنة من حكم الرئيس السابق سيد محمد ولد الشيخ عبد الله ظهرت في الأفق بوادر أزمة خطيرة بين الرئيس السابق ولد الشيخ عبد الله و الجنرالات في الجيش، بعد الإعلان عن تشكيل الحكومة الجديدة في نسختها الثانية، و التي ضمت عناصر حسبت على نظام الرئيس السابق معاوية ولد سيد حمد الطايع متهمة بالفساد، و شكل العسكريون فرقة برلمانية سميت بكتلة حجب الثقة عن الحكومة الجديدة، و تفاقمت الأزمة تدريجيا مع إصرار الرئيس السابق سيد محمد ولد الشيخ عبد الله على الإبقاء على تشكيلة الحكومة، و عندما تبين أنه لا مناط لوجود مخرج من الأزمة أقال الرئيس ولد الشيخ عبد الله الجنرالات الأربعة النافذون في المؤسسة العسكرية، و على رأسهم الجنرال محمد ولد عبد العزيز، و الجنرال محمد ولد الغزواني من مناصبهم العسكرية و إحالتهم إلى التقاعد، و كانت ردة فعل الجنرالات المقالين عنيفة، و ذلك بإعلانهم عن انقلاب عسكري يوم 6 أغشت 2008، و بوضع حد لسلطات رئيس الجمهورية ولد الشيخ عبد الله كما جاء في نص البيان رقم (1) و الذي تلاه الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز بقوله: "جاءت هذه العملية التصحيحية نتيجة لعدة أسباب منها تعطيل الرئيس السابق للدستور خلال عمل البرلمان... و قد رفض الرئيس بتعنت مساعي البرلمانيين لحجب الثقة عن حكومة لا يرضون عنها، و رفضه لدورة طارئة في البرلمان، و تثبت هذه القضايا عجزه عن حل المشاكل التي يعاني منها المواطنون، و هكذا أعلن المجلس العسكري وضع حد لسلطات الرئيس السابق سيد محمد ولد الشيخ عبد الله"
[1].

المؤثرات الخارجية و مساعي الخروج من ازمة الانقلاب

لقد شكل انقلاب 6 أغشت مخاطرة كبيرة بالتعهدات الدولية التي تعهد بها الممولين الدوليين في شهر ديسمبر 2007 حيث كانت اتفاقية تمويل بمبلغ 600 مليون دولار قد وقعت، و 8 مليون دولار أخرى على وشك التوقيع، قدتم توقيفها فور الإعلان عن الانقلاب
[2]، كما أعلن شركاء موريتانيا في التنمية عند تعليق التعاون مع موريتانيا حتى الرجوع بالبلاد إلى الشرعية الدستورية الممثلة في شخص الرئيس المنتخب و من بين تلك الهيآت الدولية، و الدول الولايات المتحدة الأمريكية، و الاتحاد الأوربي، و صندوق النقد الدولي.
فعلى مستوى الاتحاد الأوربي الذي يعتبر أن ضرورة احترام الديمقراطية خط أحمر لا يمكن تجاوزه، و علي لسان المفوض المكلف بشؤون التنمية و المساعدات الذي جدد إدانته للانقلاب و ذلك بقوله: "إن هذا الوضع قد يدفعنا إلى مراجعة سياستنا اتجاه موريتانيا... إن إدارات المفوضة و السلطات الموريتانية المعنية، انتهت منذ فترة قصيرة من وضع اللمسات الأخيرة على برنامج دعم موريتانيا بقيمة 165 مليون يورو في الفترة ما بين 2008-2013 و ينضاف إلى برامج المساعدات السارية المفعول...سوف نقيم لوضع على ضوء اتفاقية كوتونو التي وقعت عليها موريتانيا
[3].
و استنكر الاتحاد الأوربي التدابير الاستثنائية التي أعلن عنها المجلس العسكري و المتمثلة في تشكيل حكومة جديدة في البلاد و جاء في بيان الاتحاد الأوربي ما يلي: "إن المجموعة الأوربية تـجـدد بأكبر قدر من الصرامة إدانتها الاستيلاء علي السلطة بالقوة الذي حصل في موريتانيا يوم السادس من غشت الماضي، و تعتبر الإجراءات الاستثنائية المتخذة من طرف المسؤولين العسكريين الذين استولوا على السلطة و المؤكدة بواسطة الأمر القانوني الصادر 11 غشت 2008، و خصوصا لإطاحة برئيس الجمهورية عارية من أية شرعية، إن الاتحاد الأوربي يحذر الحكام العسكريين من المخاطر الحقيقية لعزله مستديمة للبلد على المشهد الدولي، و يحض الحكام العسكريين على إعادة الإطار المؤسسي لما قبل السادس من غشت و يدعوهم بدون مهلة إلى التعاون مع المجموعة الدولية"
[4].
و كإجراء لا حق قرر الإتحاد الأوربي تعليق استفادة موريتانيا من المساعدات و القروض لمدة سنتين مؤكدا أنه لا يمكن استئناف التعاون من دون العودة إلى النظام الدستوري، و من بين التمويلات التي شملها وقف التعاون 65.5 مليار أوقية هي هبة غير معوضة لتمويل عشرة مشاريع تنموية.
 و على مستوى الاتحاد الأفريقي: الذي أدان باسم رئيس مجلس السلم و الأمن الإفريقي (Jon Biong) الانقلاب العسكري و ذلك بقوله "أؤكد رفض الاتحاد الإفريقي أي تغيير للحكومات بالطرق الغير دستورية، و محاولة الاستيلاء على الحكم بالقوة، وفقا لإعلان لومي الصادر في شهر يوليو 2000، و القانون الدستوري للاتحاد الإفريقي، و الميثاق الإفريقي للديمقراطية و الانتخابات و الحكم الرشيد الذي كانت موريتانيا آخر دولة تصادق عليه"
[5]. و على هذا الأساس قرر الاتحاد الإفريقي تعليق عضوية موريتانيا حتى العودة إلى الشرعية المتمثلة في عودة الرئيس المنتخب ديمقراطيا.
على مستوى الولايات المتحدة الأمريكية فقد شكل الانقلاب أزمة غير مسبوقة بينها و بين الجنرال محمد ولد عبد العزيز، فقد علقت الولايات المتحدة جميع مساعداتها باستثناء المساعدات الإنسانية، و هو ما عبر عنه السفير الأمريكي في موريتانيا مارك بولير و ذلك بقوله "إن انقلاب السادس من غشت قد أطاح بحكومة منتخبة ديمقراطيا، و أن الشعب الموريتاني له الحق بالتمتع بالديمقراطية، التي تضمن له الأمن و التنمية، و أؤكد رفضنا التام للانقلاب، كما أؤكد دعوتنا إلى إعادة الشرعية و إطلاق سراح سيد محمد ولد الشيخ عبد الله"
[6].

اتفاق داكار و تعميق الأزمة السياسية:

لقد شكل التنسيق بين الهيآت الدولية السابقة غلى قرار شامل يعبر عن رأي هذه المجموعة إلى تهديد النظام العسكري من مغبة التمادي في تجاهل المطالب الدولية حول عودة الرئيس الموريتاني السابق سيد محمد ولد الشيخ عبد الله و إقراره من جانب واحد تحديد موعد زمني لانتخابات المبرمجة يوم 06/06/2009 و التي أعلنت منسقية المعارضة عن مقاطعة تلك الانتخابات، و قد شكل سلاح المساعدات الرهيب إحدى الهواجس و التي أثرت بدون شك على النظام العسكري في موريتانيا، أمام مطالب المانحين الدوليين، فمثلا بادرت وكالة التنمية الفرنسية (MFD)، التي تعتبر أهم الجماعات الثنائية المانحة لموريتانيا إلى تعليق أي تمويل جديد إلا أن تقوم حكومة شرعية بإدارة شؤون البلاد، كما علق البنك الدولي تمويل عشرين مشروعا بتمويل إجمالي يفوق 80 مليار أوقية و يستهدف هذا التمويل مجالات مختلفة
[7].
و وفقا للإحصاء التي جمعته شبكة المعلومات الإقليمية و مكتب الأمم المتحدة للتنسيق، ستفقد موريتانيا بموجب العقوبات الاقتصادية أكثر من 500 مليون دولار من المعونة الغير إنسانية
[8]. و نتيجة لثقل العقوبات الاقتصادية و التي تعني افتقاد 20% من حجم الدخل القومي، كما ظلت المساعدات الدولية تغذي الاستث
مارات الداخلية بما يفوق نسبة 60%. وأمام هذا الوضع الماس لم يبق أمام العسكريين سوى خيارين:

أولهما: إما أن يتمادى النظام العسكري في تجاهل المطالب الدولية، و ما سينجر عنه من نتائج غير محسوبة.
و ثانيهما: أن يقبل الانصياع لمطالب المانحين الدوليين، عبر صيغة متفق عليها، للخروج من الأزمة.

و على هذا الأساس لم يستطع المجلس العسكري المناورة على الجبهتين الداخلية في ظل تنامي أصوات المعارضة المناوئة للانقلاب، و الجبهة الخارجية المتمثلة في وقف المساعدات و القروض الدولية، و في ظل المساعي الدولية التي قامت بها فرنسا تحديدا و الرئيس السنغالي السابق عبد الله واد، لوجود صيغة متفق عليها بين أطياف المعارضة، و العسكريين توجت تلك للقاءات باتفاق تاريخي عرف فيما بعد باتفاق (داكار)، و قد شمل الاتفاق المذكور عدة محاور من أهمها:


 

 

كان من نتائج الأزمة الكبرى التي أفرزتها تداعيات انقلاب 6 غشت 2008 اتفاق الأقطاب السياسية على تجاوز أزمة الانقلاب، بعد مفاوضات عسيرة استمرت شهورا في أديس بابا و باريس و طرابلس و نواكشوط[10].
إن الحدث الأهم لنتائج هذا الاتفاق هو فوز الرئيس محمد ولد عبد العزيز في الانتخابات الرئاسية التي أجريت يوم 18 يوليو 2009 بنسبة 52% أمام الثمانية الآخرون الذين دخلوا حلبة السباق على كرسي رئيس الجمهورية و الذين توزعوا بين مكونات الطيف السياسي و العرقي و الجهوي و الإيديولوجي.
الخاسرون اعترضوا على نتائج الانتخابات، و ما أسموه تزويرا في سير العملية الانتخابية و أكدوا أن الغش و التلاعب، وقع ولو أن المجلس الدستوري رفض الطعون التي قدمت خلال 48 ساعة فقط من إعلان وزارة الداخلية للنتائج، في حين قالت أطراف أخرى أنها لن تتوجه للمجلس الدستوري و أنها لا تعتبره حكما نزيها، بعد اتخاذ مواقف دلت على عدم حياده عندما رفض تأجيل الانتخابات لما بعد 18 يوليو و طالبت المعارضة بإعادة فرز الأصوات و تفحص أوراق التصويت التي أعدتها الشركة لبريطانية و تم التصويت بها
[11].
و قد تباينت تقارير المراقبين الدوليين حول نزاهة الانتخابات، فبينما أعلن الاتحاد الأوربي أن التحقيقات التي قام بها في اتهام المعارضة للنظام بالتزوير أنه لم يتوصل بوجود خروقات على حد تعبير فالبير دناما عضو التنمية في البرلمان الأوربي، على عكس تقرير اللجنة العربية لحقوق الإنسان و هو أول تقرير ينشر عن الانتخابات و الذي جاء فيه "نخلص إلى أن الاقتراع لم يجر في ظروف عادية و شفافية و نزاهة مشهود لها رغم ما قبل و يقال، و أن صناديق الاقتراع لم تستهل حكم الشعب"
[12].
و بعد تنصيب محمد ولد عبد العزيز رئيسا للدولة، طالبت المعارضة فتح حوار معها، و منحها مقاعد في التشكيلة الوزارية، رفض ولد عبد العزيز طلب المعارضة و اعتبر انه من الأفضل أن تلعب دورها كمعارضة.
 و بعد سنة من اتفاق داكار وجهت المعارضة نداء إلى المجموعة الدولية مفاده أن الأزمة الموريتانية مازالت قائمة لما جاء في نص البيان "لقد مرت الآن سنة كاملة على توقيع اتفاق داكار... و نؤكد للمجتمع الدولي على أن كل القوانين أثبتت أن محمد ولد عبد العزيز لا يركن إلى الحوار... و أنه لا يلبث أن يدير ظهره لكل التزاماته سرعان ما يحصل على ما يريد مما يجعله شريكا غير مؤتمن"
[13].
و لم تتأكد المعارضة أنها دخلت اتفاقا كانت خاسرة فيه إلا عندما رفض الرئيس الموريتاني فتح حوار مع المعارضة و تمثيلها في الحكومة و ذلك بقوله:"أعتبر أن العودة إلى ما قبل انتخابات 18يوليو 2009 غير مطروحة... اتفاق داكار ليس قرآنا و لا نصا دستوريا يجب صيانته أو التمسك به، بل هو مجرد توافق بين الأطراف السياسية لتجاوز مرحلة بعينها، و من ثم فلا معنى للرجوع للوراء و التمسك بصيغ لم تكن لها مبررات و لا أهداف"
[14].

المراجعات الدستورية ,,,,,,,إشكالية الاتفاق و الإختلاف:

لم تسفر النتائج الانتخابية عن وضع حد للتظاهرات الاحتجاجية لما اعتبرته المعارضة تملصا من روح اتفاق داكار، و أن النظام لم يلتزم بتعهداته عندما طالب المعارضة بالمشاركة في الحكومة الوزارية و فتح حوار سياسي معها و استقبال رئيسها الدوري أحمد ولد داداه الذي انتقد أوضاع البلاد في ظل نظام الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز قائلا "إن وضع البلاد بعد سنتين من نظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز في تدهور مستمر في جميع الأصعدة السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية".
و أمام الضغوطات الدولية التي أخذت شكلها في الاتساع ممثلة في الاتحاد الأوربي، و الولايات المتحدة الأمريكية، عبر التقارير الدولية، خصوصا تقرير وزارة الخارجية الأمريكية حول حقوق الإنسان لسنة 2010 مما اعتبرته الجوانب الايجابية في نظام الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز التي عددتها في مواصلة المصالحة الوطنية، إلا أنه ذكر أن موريتانيا شهدت منذ 2009 تراجعا في وضعيات حقوق الإنسان، حيث حرم المواطنين من حقهم في اختيار حكومتهم
[15].
إضافة إلى ذلك الجو العربي المشحون بثورات (الربيع العربي)، و نتيجة لتجاذبات الداخلية المتعلقة بالحراك الشعبي للدول المغاربية التي تدخل أهدافها في ذات الإطار انبثقت حركة الشبابية 25 فبراير التي طالبت النظام بالإصلاح السياسي و الاقتصادي، و لوحت بالمطالبة بإسقاط النظام، و عرفت الحكومة و الحالة هذه انه لا مناط من الانخراط في حوار مع المعارضة الذي تم يوم 17 سبتمبر و 19 أكتوبر 2011 بين بعض أحزاب المعارضة و الاغلبية الرئاسية برئاسة ولد عبد العزيز الذي قال في خطابه لافتتاحي بقوله "إن اللقاء الذي يجمعنا اليوم يشكل نقطة تحول مهم من تاريخ بلدنا إذ يعطي الفرصة لأول مرة لمختلف الشركاء السياسيين لتدارس الآليات الضرورية لتطوير حياتنا الديمقراطية من خلال الحوار البناء في أوضاعنا السياسية، إن تعزيز الديمقراطية في بلادنا يشكل بالنسبة لنا خيارا استراتيجيا ليست لتنمية البلاد فحسب و إنما لتعزيز استقرارها و نشر ثقافة الحوار بين مختلف مكوناتها، و ستظل أبواب هذا الحوار مفتوحة أمام الجميع للمشاركة في إرساء أسس جديدة لبناء موريتانيا حديثة"
[16].
و رغم أن الحوار قد خرج بتوصيات مهمة من قبيل مراجعة الدستور، و تغيير المواد المثيرة للجدل و من بين المواد الجديدة التي تناولها الدستور الجديد قضايا الوحدة الوطنية، و تعزيز الديمقراطية. و المدونة الانتخابية فإن من أهم النقاط التي تناولها دستور 2012 هو تجريم الانقلابات لما نصت عليه المادة (2) (مادة جديدة)"تكسب السلطة السياسية وتمارس و تنتقل في إطار التداول السلمي وفقا للأحكام هذا الدستور و تعتبر الانقلابات و غيرها من أشكال تغيير السلطة المنافي للدستور جرائم لا تقبل التقادم، و يعاقب أصحابها و المتمالئين معهم، سواء كانوا أشخاصا طبيعيين أو اعتباريين بموجب القانون، لكنه هذه الأفعال لا تكون محل ملاحقات إذا تم ارتكابها قبل تاريخ نفاذ هذا القانون الدستوري"
[17]. وقد أنقص من قيمة المراجعات الدستوية هو أن الدستور الجديد لم يكن مصدر إجماع, فقد عارضته أحزاب المعارضة التي اعتبرت أن التعديلات مهزلة يهدف النظام من خلالها إلى ذر الرماد في العيون، بستثناء الأحزاب  الثلاثة التي شاركت في الحوار وهي التحالف الشعبي التقدمي، حزب الوئام، و حزب الصواب.
و خلاصة لما سبق  فان المراجعات الدستورية علي التوالي دستور 1991 و دستور 2005 اضافة  للدستور الأخير 2012، فقد جاز القول بان موريتانيا  وبدخولها عهد الجمهورية الثالثة تعد من بين البلدان العربية التي نجحت إلى حد كبير في وضع الضوابط القانونية المنظمة لعملية التحول الديمقراطي في البلاد.
إلا أنه في جانب آخر يمكن التأكيد على أنه لم توفق التجربة الديمقراطية على ما يبدو الخروج بالبلاد من ظاهرة الاحتقان السياسي، و يتبدى ذلك من خلال تململات الساحة السياسية، بحيث أعلنت اكبر لأحزاب المعارضة عن مقاطعتها للانتخابات البلدية و النيابية التي ستجري مع نهاية 2013. و هو ما يعني أن نجاح التجربة الديمقراطية في موريتانيا بصيغتها التوافقية ما زال أمرا بعيد المنال و حتى كتابة هذه السطور.